كنت أتابع إحدى المسلسلات الخليجية التي تدور أحداثه حول كاتب رفضت صاحبة دار النشر روايته بحجة أنها تفتقد إلى الحبكة لتدمر حلمه في أن يصبح كاتب مشهور، فقرر هذا الكاتب الانتقام من صاحبة دار النشر لينسج روايته الجديدة بحبكة درامية لم تستطع صاحبة دار النشر أن تفرق بين الرواية والواقع ليتسلل الكاتب ويدخل حياتها الخاصة ويتزوج من إحدى بناتها ويحاول السيطرة على دار النشر إلى نهاية القصة إن الحبكة في عالم الفن لها دلالات عدة ففي الرواية هي تتابع الأحداث زمنيا ومكانيا بشكل مترابط بطريقة تعكس لقارئها السببية والمنهجية التي تربط بين الأحداث أما في الحكاية فهي لب الحكاية أو العقدة التي من خلالها تتواتر وتتشابك الأحداث لتصل إلى ذروتها
إن مفهوم الحبكة دفعني إلى التفكير في مسيرة حياتنا، فبلاشك فإن في حياة كل واحد منّا نقطة محورية بمثابة الحبكة التي من خلالها كانت نقطة تحول نحو تغيير مسار حياته إما إيجابا أو سلبا. وعندما أفكر في مسألة الحبكة الدرامية والروائية بالصيغة التي وردت في المسلسل آنف الذكر ومدى ارتباطها بحياتنا اليومية أجد أن الكثيرون من حولنا يجيدون استخدامها بشكل أو آخر ولكن بدرجات متفاوتة أسوءها عندما يتم استخدامها بشيء من الخبث من أجل غايات غير نبيلة كبلوغ منزلة من المحبة دون استحقاقها أو الوصول إلى مطامع وظيفية بشيء من الجشع والطمع.
كما أن فكرة الحبكة الشيطانية التي وردت في المسلسل جعلتني أفكر كم من كاتب حولنا يحسنون استغلال طيبة الآخرين ويحسنون الحبكة في نسج أكاذيبهم لبلوغ غاياتهم بحجة أن الغاية تبرر الوسيلة، حيث غالبا من يسلك هذا المسار هم الذين يعجزون عن وصول إلى تحقيق أهدافهم بطرق شريفة. شخصيا تعرضت بشكل أو بآخر لمثل هذه المواقف سواء الصعيد الشخصي أو العملي، حيث استغل بعضهم طيبتي في تحقيق مطامعهم الشخصية وقد جعلني هذا الأمر أعيش حينها خليط من مشاعر الحزن والغبن والإحساس بالسذاجة إلى جانب الغضب والرغبة في الانتقام. ولا أخفيكم أن الرغبة في الانتقام على الرغم من أنها شعور طبيعي إلاّ أنه أسوأ ما يمكن أن يصل إليه الفرد، لأن فيه استنزاف للطاقة وإجهاد نفسي وبدني وفي نهاية المطاف يدفع بالفرد إلى الوقوع في أخطاء كثيرة. من هنا تتجلى قوة إيمان الفرد في تزكية نفسه والترفع عن تفاهات وأخطاء الآخرين. فالسمو بالنفس البشرية وكظم الغيظ مسألة ليست بهينة، تحتاج إلى قدرة عالية في كبح جماح النفس وترويضها لكي لا تقع في خطأ لا يحمد عقباه على المدى الطويل.
أنا على يقين بأنه تمّر عليكم في حياتكم اليومية مواقف تدفع بكم إلى الغضب والرغبة بالانتقام، إلاّ أنني أوصي نفسي قبلكم بأن نحاول جاهدين لجعل الحِلم صفة متأصلة فينا، فثقافة التسامح خلق سامي حثنا عليه ديننا الحنيف، ولنتذكر الآية رقم 134 من سورة آل عمران حيث يقول عز وجل (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ولنتذكر أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم "ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " رواه الشيخان من حديث مالك
إن التعامل مع الأفراد يحتاج إلى فراسة، ولا تكتسب هذه المهارة إلاّ بخبرة تراكمية، فثقافة الحِلم والتسامح قد لا يفهمها الطرف الآخر وقد يفسرها بأنها ضعف وهوان، فحاولوا ألاّ تكترثوا بذلك وأن تتجاهلوا تعليقاتهم وتذكروا قول الله تبارك وتعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) [ سورة إبراهيم - ٤٢ ]، تفويض الآمور إلى الله عز وجل وعن يقين تام واحتساب الأجر عند الله مفتاحين رئيسين للشعور بالسلام ،السكينة الداخلية.