كم هي غريبة الحياة. نركض فيها جاهدين من أجل ضمان لقمة العيش ورغد الحياة. نلتقي فيها بأشخاص كثيرون نتأثر بهم ويتأثرون بنا. وأحيانا نلتقي بأشخاص لوهلة ونحكم عليهم من خلال نظرة وانطباع المقربين منه دون أن نكلف أنفسنا عناء التعرف عليهم عن كثب. إن وفاة أحد المعارف المفاجئ لسبب ما دفعني إلى البحث والتعرف على شخصيته، فكثيرا ما كان يشكك المقربون من شرعية نسبه إلى عائلتهم، ووصفه البعض بأنه انتهازي، يؤسفني أنني قد رسمت تلك الصورة عنه في مخيلتي؛ إذ تبين لي ليس المهم ما هو نسبك وبقدر ما الذي تتركه من أثر في هذه الدنيا. وبلاشك فإن مثل هذا الموقف قد يتكرر مع البعض منّا في حياته اليومية، قد نتفاجئ أن البعض يأخذ موقفا سلبيا منا لمجرد أن نقلت إليه صورة سلبية نتيجة انطباع شخصي لدى الوسيط ولكن مع الأيام يكتشف أنه كان مخطئا في حكمه. إن هذا السلوك غالبا ما يكون سببا في الشللية التي نلاحظها بين الأطفال في المدارس، فقد يكون موقف أحد أعضاء المجموعة سببا في معارضة الآخرين لانضمام أحدهم إليهم رغم عدم تعاملهم المباشر معه.
وبالمثل فإن مثل هذه الموافق تظهر بشكل جلي في العمل، فلدى انضمام أي موظف جديد للمؤسسة نجد أن هناك من يأخذ على عاتقه المبادرة بتزويده بملف تفصيلي حول أسرار التعامل مع المدراء والزملاء. فيبدأ هذا الزميل الجديد في التصرف مع من حوله وفق المعلومات التي وصلته وبما يتوافق مع أجندة العميل السري. للأسف فإن النفوىس الضعيفة لطالما تستسهل استخدام الأساليب الدنيئة لتحقيق غاياتها، وخاصة في بيئة العمل التي لا تستند إلى مؤشرات الأداء في قياس إنتاجية العاملين فيها. فلو جعل كل واحد منا هدفه في هذه الحياة في المقام الأول مخافة الله في كل ما يقوم به لكانت حياتنا تسودها الحب والألفة.
لنكن موضوعيين في حكمنا على الآخرين ولنلتمس العذر لهم، صحيح ما يقال أن الانطباع الأول مهم ولكن لا تستعجل وتحكم على الكتاب من غلافه قبل أن تتصفح ما بين دفتيه. فكم من كتاب جذبنا عنوانه وسارعنا في اقتنائه لنكتشف لاحقا أنه ضعيف من حيث المضمون والمحتوى والعكس صحيح.